سورة التوبة - تفسير تفسير البيضاوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (التوبة)


        


{بَرَاءةٌ مّنَ الله وَرَسُولِهِ} أي هذه براءة، ومن ابتدائية متعلقة بمحذوف تقديره وأصله {مّنَ الله وَرَسُولِهِ}، ويجوز أن تكون {بَرَاءةٌ} مبتدأ لتخصصها بصفتها والخبر {إِلَى الذين عَاهَدْتُمْ مّنَ المشركين} وقرئ بنصبها على اسمعوا براءة، والمعنى: أن الله ورسوله برئا من العهد الذي عاهدتم به المشركين، وإنما علقت البراءة بالله ورسوله والمعاهدة بالمسلمين للدلالة على أنه يجب عليهم نبذ عهود المشركين إليهم وإن كانت صادرة بإذن الله تعالى واتفاق الرسول فإنهما برئا منها، وذلك أنهم عاهدوا مشركي العرب فنكثوا إلا أناساً منهم بنو ضمرة وبنو كنانة فأمرهم بنبذ العهد إلى الناكثين وأمهل المشركين أربعة أشهر ليسيروا أين شاءوا فقال: {فَسِيحُواْ فِى الأرض أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} شوال وذي القعدة وذي الحجة والمحرم لأنها نزلت في شوال. وقيل هي عشرون من ذي الحجة والمحرم وصفر وربيع الأول وعشر من ربيع الآخر لأن التبليغ كان يوم النحر لما روي أنها: «لما نزلت أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً رضي الله عنه راكب العضباء ليقرأها على أهل الموسم، وكان قد بعث أبا بكر رضي الله تعالى عنه أميراً على الموسم فقيل له: لو بعثت بها إلى أبي بكر فقال: لا يؤدي عني إلا رجل مني، فلما دنا علي رضي الله تعالى عنه سمع أبو بكر الرغاء فوقف وقال: هذا رغاء ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما لحقه قال: أمير أو مأمور قال مأمور، فلما كان قبل التروية خطب أبو بكر رضي الله تعالى عنه وحدثهم عن مناسكهم وقام علي رضي الله عنه يوم النحر عند جمرة العقبة فقال: أيها الناس إني رسول الله إليكم، فقالوا بماذا فقرأ عليهم ثلاثين أو أربعين آية ثم قال: أمرت بأربع: أن لا يقرب البيت بعد هذا العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ولا يدخل الجنة إلا كل نفس مؤمنة، وأن يتم إلى كل ذي عهد عهده». ولعل قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يؤدي عني إلا رجل مني» ليس على العموم، فإنه صلى الله عليه وسلم بعث لأن يؤدي عنه كثير لم يكونوا من عترته، بل هو مخصوص بالعهود فإن عادة العرب أن لا يتولى العهد ونقضه على القبيلة إلا رجل منها، ويدل عليه أنه في بعض الروايات: «لا ينبغي لأحد أن يبلغ هذا إلا رجل من أهلي» {واعلموا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي الله} لا تفوتونه وإن أمهلكم. {الله مُخْزِى الكافرين} بالقتل والأسر في الدنيا والعذاب في الآخرة.


{وَأَذَانٌ مّنَ الله وَرَسُولِهِ إِلَى الناس} أي إعلام فعال بمعنى الإِفعال كالأمان والعطاء، ورفعه كرفع {بَرَاءةٌ} على الوجهين. {يَوْمَ الحج الأكبر} يوم العيد لأن فيه تمام الحج معظم أفعاله، ولأن الإِعلام كان فيه ولما روي أنه صلى الله عليه وسلم وقف يوم النحر عند الجمرات في حجة الوداع فقال: «هذا يوم الحج الأكبر» وقيل يوم عرفة لقوله صلى الله عليه وسلم: «الحج عرفة» ووصف الحج بالأكبر لأن العمرة تسمى الحج الأصغر، أو لأن المراد بالحج ما يقع في ذلك اليوم من أعماله فإنه أكبر من باقي الأعمال، أو لأن ذلك الحج اجتمع فيه المسلمون والمشركون ووافق عيده أعياد أهل الكتاب، أو لأنه ظهر فيه عز المسلمين وذل المشركين. {إِنَّ الله} أي بأن الله. {بَرِئ مّنَ المشركين} أي من عهودهم. {وَرَسُولُهُ} عطف على المستكن في {بَرِئ}، أو على محل {إِن} واسمها في قراءة من كسرها إجراء للأذان مجرى القول، وقرئ بالنصب عطفاً على اسم إن أو لأن الواو بمعنى مع ولا تكرير فيه، فإن قوله: {بَرَاءةٌ مّنَ الله} إخبار بثبوت البراءة وهذه إخبار بوجوب الإِعلام بذلك ولذلك علقه بالناس ولم يخصه بالمعاهدين. {فَإِن تُبْتُمْ} من الكفر والغدر. {فَهُوَ} فالتوب {خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ} عن التوبة أو تبتم على التولي عن الإسلام والوفاء. {فاعلموا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِى الله} لا تفوتونه طلباً ولا تعجزونه هرباً في الدنيا. {وَبَشّرِ الذين كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} في الآخرة.


{إِلاَّ الذين عاهدتم مّنَ المشركين} استثناء من المشركين، أو استدراك فكأنه قيل لهم بعد أن أمروا بنبذ العهد إلى الناكثين ولكن الذين عاهدوا منهم. {ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً} من شروط العهد ولم ينكثوه أو لم يقتلوا منكم ولم يضروكم قط. {وَلَمْ يظاهروا عَلَيْكُمْ أَحَداً} من أعدائكم {فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إلى مُدَّتِهِمْ} إلى تمام مدتهم ولا تجروهم مجرى الناكثين. {إِنَّ الله يُحِبُّ المتقين} تعليل وتنبيه على أن إتمام عهدهم من باب التقوى.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8